تكريم كبار السن في الإسلام
أكرم الله تعالى بني آدم وخصهم بمكانة رفيعة، وأوصى الإسلام بالعناية بجميع شرائح المجتمع، وخصوصًا كبار السن، تقديرًا لمكانتهم وتجاربهم الحياتية. حثَّ الإسلام على احترامهم وتوقيرهم، وجعل ذلك من علامات الأخلاق الفاضلة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا"، وفي رواية أخرى: "ويوقر كبيرنا".
أسس رعاية كبار السن في الإسلام
1- الإنسان مخلوق مكرم:
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]. التكريم الإلهي يشمل جميع البشر، ويبرز في احترام النفس الإنسانية وحفظ حقوقها. ومن مظاهر هذا التكريم أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم سجود تعظيم واحترام، كما قال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 72]. ويُعد المسن جزءًا من هذا التكريم الإلهي بمكانته الرفيعة.
2- المجتمع المسلم مجتمع مترابط:
قال الله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]. الرعاية والتواصل بين أفراد المجتمع تساهم في تعزيز روابط المحبة والرحمة، وهو ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
3- جزاء الإحسان الإحسان:
قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]. مبدأ المعاملة بالمثل يجعل إحسان الشباب إلى كبار السن سببًا لأن يجدوا من يكرمهم عند كبرهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم لا يُرحم".
4- كبير السن المؤمن له مكانة خاصة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنَّ أحدكم الموت ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه، فإنَّه إذا مات انقطع عمله، وأنَّه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا". زيادة عمر المؤمن تفتح له أبوابًا لمزيد من الأعمال الصالحة والبركات.
5- توقير الكبير:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم". توقير كبار السن مظهر من مظاهر الاحترام المتأصلة في المجتمع المسلم، وهو سمة تنعكس في السلوك اليومي من تقديمهم في السلام، وإفساح المجال لهم في المجالس.
رعاية الوالدين كمظهر لرعاية كبار السن
أمر الله ببر الوالدين وجعل الإحسان إليهما مقرونًا بعبادته. قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]. وجعل عقوقهما من الكبائر. وأوصى الإسلام برعايتهما حتى في كبر سنهما، بل أمر الابن بالبر بهما حتى وإن كانا غير مسلمين، بشرط عدم طاعتهما في معصية.
مظاهر رعاية كبار السن في المجتمع المسلم
1- الدمج الاجتماعي:
الإسلام يدعو إلى دمج كبار السن في المجتمع من خلال زيارتهم والتواصل معهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم"، مما يعزز الترابط بين الأجيال.
2- تقديم الاحترام:
يتجلى احترام الكبير في تقديمه في السلام، وفي أمور الحياة اليومية مثل الشرب والأكل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبدؤوا بالكبراء".
3- مؤسسات الرعاية:
في حال غياب الدعم الأسري، ظهرت في المجتمع المسلم مؤسسات مثل الأربطة، والأوقاف، والدور الاجتماعية، التي تقدم الرعاية للمحتاجين وكبار السن.
4- رعاية غير المسلمين:
لم تقتصر الرعاية على المسلمين فقط، بل شملت كبار السن من غير المسلمين الذين يعيشون في ظل المجتمع الإسلامي. يظهر ذلك جليًا في موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الشيخ اليهودي الكبير عندما أعفاه من الجزية وأمر بتوفير احتياجاته.
رعاية كبار السن في الحروب
سبق الإسلام المعاهدات الدولية في إرساء قواعد أخلاقية للحروب، منها النهي عن التعرض للأطفال وكبار السن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقتلوا وليدًا ولا شيخًا كبيرًا". وتوارث الصحابة هذا النهج، كما يظهر في وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لجيوش المسلمين.
الخاتمة
رعاية كبار السن في الإسلام ليست وليدة اللحظة، بل هي ركن أصيل في المنظومة الاجتماعية والأخلاقية. تقوم هذه الرعاية على أسس متينة تشمل الاحترام، الدمج الاجتماعي، وتقديم العون. بتطبيق هذه المبادئ، يحقق المجتمع المسلم التكافل والرحمة التي أوصى بها الإسلام.
المصدر :
https://www.islamweb.net/ar/article/168491/%D8%B1%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86